كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: لما أريد قتل عثمان جاء عبد الله بن سلام فقال عثمان: ما جاء بك قال: جئت في نصرك قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارجًا خير لي منك داخلًا، فخرج عبد الله إلى الناس فقال: أيّها الناس إن لله سيفًا مغمودًا وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن الله سيفه المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة قالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان أخرجه الترمذي زاد في رواية غير الترمذي فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفًا، ولا خليفة إلا قتل به خسمة وثلاثون ألفًا.
قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} أي افعلوا هذه الأشياء على رجاء الرحمة {لا تحسبن الذي كفروا معجزين} أي فائتين عنا {في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} قال ابن عباس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته عند ذلك فأنزل الله هذه الآية وقيل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنا خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} واللام لام الأمر وفيه قولان أحدهما: أنه على الندب والاستحباب والثاني: أنه على الوجوب وهو الأولى الذين ملكت أيمانكم يعني العبيد والإماء {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} يعني الأحرار وليس المراد منهم الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل المراد الذين عرفوا أمر النساء ولكنهم لم يبلغوا الحلم وهو سن التمييز والعقل وغيرهما، واتفق العلماء على أن الاحتلام بلوغ واختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة، ولم يحتلم فقال أبو حنيفة لا يكون بالغًا حتى يبلغ ثمان عشرة سنة ويستكملها والجارية سبع عشرة سنة وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في الغلام والجارية بخمسة عشرة سنة يصير مكلفًا، وتجري عليه الأحكام وإن لم يحتلم {ثلاث مرات} أي ليستأذنوا في ثلاثة أوقات {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} أي وقت المقيل {ومن بعد صلاة العشاء} وإنما خص هذه الثلاثة الأوقات، لأنها ساعات الخلوات ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات وغير العبيد والصبيان يستأذن في جميع الأوقات {ثلاث عورات لكم} سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدوا عورته {ليس عليكم ولا عليهم} يعني العبيد والخدم والصبيان {جناح} أي حرج في الدخول عليكم بغير استئذان {بعدهن} أي بعد هذه الأوقات الثلاثة طوافون عليكم أي العبيد والخدم يترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالكم بغير أذن {بعضكم على بعض} أي يطوف بعضكم على بعض {كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقيل: إنها منسوخة حكي ذلك عن سعيد بن المسيب، روى عكرمة أن نفرًا من أهل العراق قالوا يا ابن العباس كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا بها، ولا يعمل بها أحد قول الله عزّ وجلّ: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم} الآية فقال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجاب فربما دخل الخدم أو الولد أو يتيم الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير فلم أرد أحدًا يعمل بذلك بعد.
أخرجه أبو داود في رواية عنه نحوه وزاد فرأيي أن ذلك أغنى عن الاستئذان في تلك العورات، وذهب قوم إلى أنها غير منسوخه روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم أمنسوخة هي؟ قال: لا والله قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله تعالى المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية أن ناسًا يقولون: نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس قيل ثلاث آيات ترك الناس العمل بهن هذه الآية وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والناس يقولون أعظمكم بيتًا {وإذا حضر القسمة أولو القربى} الآية.
وقوله عزّ وجلّ: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي الاحتلام يريد الأحرار الذين بلغوا {فليستأذنوا} أي يستأذنوا في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كما استأذن الذين من قبلكم} أي الأحرار الكبار {كذلك يبين الله لكم آياته} أي دلالته وقيل أحكامه {والله عليم} أي بأمور خلقه {حكيم} بما دبر وشرع قال سعيد بن المسيب: يستأذن الرجل على أمه فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك، وسئل حذيفة أيستأذن الرجل على والدته قال نعم إن لم تفعل رأيت منها ما تكره قوله: {والقواعد من النساء} يعني اللاتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر فلا يلدن ولا يحضن {اللاتي لا يرجون نكاحًا} أي لا يردن الأزواج لكبرهن، وقيل: هن العجائز اللواتي إذا رآهن الرجال استقذروهن فأما من كانت فيها بقية جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في حكم هذه الآية {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} أي عند الرجال والمعنى بعض يثابهن وهو الجلباب والرداء الذي فوق الثياب، والقناع الذي فوق الخمار فأما الخمار فلا يجوز وضعه {غير متبرجات بزينة} أي من غير أن يردن وضع الجلباب والرداء إظهار زينتهن.
والتبرج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما يجب عليها أن تستره {وأن يستعففن} أي فلا يلقين الجلباب ولا الرداء {خير لهن والله سميع عليم} قوله: {ليس على الأعمى حرج} اختلف العلماء في هذه الآية فقال ابن عباس: لما أنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى، الزمنى والعمى والعرج وقالوا الطعام أفضل الأموال وقد نهانا الله عن أكل الأموال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفى من الطعام حقه فأنزل الله هذه الآية فعلى هذا التأويل يكون على بمعنى في أي ليس في الأعمى، والمعنى ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والمريض والأعرج حرج وقيل كان العميان والعرجان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم، وكان الأعمى يقول ربما آكل أكثر من ذلك ويقول الأعرج والأعمى ربما أجلس مكان اثنين فنزلت هذه الآية، وقيل: نزلت ترخيصًا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سماهم الله في باقي الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل في طلب الطعام فإذا لم يكن عنده شيء، ذهب بهم إلى بيت أبيه أو بيت أمه أو بعض من سمى الله تعالى فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته فأنزل الله هذه الآية وقيل: كان المسلمون إذا غزوا دفعوا مفاتيح بيوتهم إلى الزمنى ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وأصحابها غيب فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم وقيل نزلت رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد فعلى هذا تم الكلام عند قوله: {ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} وقوله تعالى: {ولا على أنفسكم} كلام مستأنف قيل لما نزلت.
{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل من أحد فأنزل الله تعالى {ولا على أنفسكم} {أن تأكلوا من بيوتكم} أي لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم، قيل أراد من أموال عيالكم وبيوت أزواجكم لأن بيت المرأة كبيت الزوج، وقيل بيوت أولادكم ونسب بيوت الأولاد إلى الآباء لما جاء في الحديث: «أنت ومالك لأبيك» {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه} قال ابن عباس: عني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته ماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمرة ضيعته، ويشرب من لبن ماشيته ولا يحمل ولا يدخر، وقيل يعني بيوت عبيدكم ومماليككم، وذلك أن السيد يملك منزل عبده، والمفاتح الخزائن ويجوز أن يكون المفتاح الذي يفتح به، وإذ ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يأكل الشيء اليسير، وقيل: ما ملكتم مفتاحه أي ماخزنتموه عندكم ما ملكتموه {أو صديقكم} الصديق هو الذي صدقك في المودة؛ قال ابن عباس نزلت في الحارث بن عمرو خرج غازيًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهودًا فسأله عن حاله فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى أنه ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتحملوا {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} نزلت في بني ليث بن عمرو، وهم حي من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفًا يأكل معه فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، ربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يأتي من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحدًا أكل وقال ابن عباس: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه فيقول: والله إني لأجنح أي أتحرج أن آكل معك، وأنا غني وأنت فقير فنزلت هذه الآية وقيل: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا أنزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعًا، أي مجتمعين أو أشتاتًا أي متفرقين {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم} أي ليسلم بعضكم على بعض هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله، ومن في بيته قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتًا ليس في أحد فقل السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته، حدثنا أن الملائكة ترد عليه وقال ابن عباس إذا لم يكن في البيت أحد، فيلقل السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم} قال: إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين {تحية من عند الله مباركة طيبة} قال ابن عباس حسنة جميلة وقيل ذكر البركة والطيب ها هنا لما فيه من الثواب والأجر {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} أي عن الله أمره ونهيه وآدابه.
قوله عزّ وجلّ: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه} أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {على أمر جامع} أي يجمعهم من حرب أو صلاة حضرت، أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل {لم يذهبوا} أي لم يتفرقوا عنه ولم ينصرفوا عما اجتمعوا له {حتى يستأذنوه} قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث يراه فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده قال أهل العلم وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام يخالفونه، ولا يرجعون عنه إلا بإذن وإذا استأذن الإمام إن شاء أذن له وإن شاء لم يأذن وهذا إذا لم يكن حدث سبب يمنعه من المقام فإن حدث سبب يمنعه من المقام، بأن يكون في المسجد فتحيض امرأة منهم أو يجنب رجل أو يعرض له مرض فلا يحتاج إلى الاستئذان {إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم} أي أمرهم {فأذن لمن شئت منهم} أي في الانصراف والمعنى إن شئت فأذن إن شئت فلا تأذن {واستغفر لهم الله} أي إن رأيت لهم عذرًا في الخروج عن الجماعة {إن الله غفور رحيم} قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} قال ابن عباس: يقول احذروا دعاء الرسول إذا اسخطتموه فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره وقيل معناه لا تدعوه باسمه، كما يدعو بعضكم بعضًا يا محمد يا عبد الله، ولكن فخموه وعظموه وشرفوه وقولوا يا نبيّ الله يا رسول الله في لين وتواضع {قد يعلم الله الذين يتسللون} أي يخرجون {منكم لواذًا} أي يستتر بعضهم ببعض ويروغ في خفية فيذهب قيل كانوا في حفر الخندق فكان المنافقون ينصرفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين وقال ابن عباس: لواذًا أي يلوذ بعضهم ببعض، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم فكانوا يلوذون ببعض أصحابه، فيخرجون من المسجد في استتار وقوله قد يعلم فيه التهديد بالمجازاة {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أي يعرضون عن أمره وينصرفون عنه بغير إذن {أن تصيبهم فتنة} أي لئلا تصيبهم فتنة أي بلاء في الدنيا {أو يصيبهم عذاب أليم} أي وجيع في الآخرة، ثم عظم الله نفسه.
فقال تعالى: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} أي ملكًا وعبيدًا {قد يعلم ما أنتم عليه} أي من الإيمان والنفاق {ويوم يرجعون إليه} يعني يوم القيامة {فينبئهم بما عملوا} أي من الخير والشر {والله بكل شيء عليم}.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتنزلوا النساء الغرف، ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور» أخرجه أبو عبد الله بن السبع في صحيحه والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.